فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وقوله: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} دلّت الفاء على التفريع والتعقيب، ودلّ طَوّع على حدوث تردّد في نفس قابيل ومغالبة بين دافع الحَسد ودافع الخشية، فعلمنا أنّ المفرّع عنه محذوف، تقديره: فتردّد مَليًّا، أو فترصّد فُرصًا فَطوّعت له نفسه.
فقد قيل: إنّه بقي زمانًا يتربّص بأخيه، «وطوّع» معناه جعله طائعًا، أي مكَّنه من المطوّع.
والطوع والطواعية: ضدّ الإكراه، والتطويع: محاولة الطوع.
شُبّه قتل أخيه بشيء متعاص عن قابيل ولا يطيعه بسبب معارضة التعقّل والخشيةِ.
وشبّهت داعية القتل في نفس قابيل بشخص يعينه ويذلّل له القتل المتعاصي، فكان «طوّعت» استعارة تمثيلية، والمعنى الحاصل من هذا التمثيل أنّ نفس قابيل سَوّلت له قتل أخيه بعد ممانعة.
وقد سُلك في قوله: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله} مسلكُ الإطناب، وكان مقتضى الإيجاز أن يحذف {فطوّعت له نفسه قتلَ أخيه} ويقتصر على قوله: {فقتَلَه} لكن عدل عن ذلك لقصد تفظيع حالة القاتل في تصوير خواطره الشرّيرة وقساوة قلبه، إذ حدّثه بقتل من كان شأنه الرحمة به والرفق، فلم يكن ذلك إطنابًا.
ومعنى {فأصبح من الخاسرين} صار، ويكون المراد بالخسارة هنا خسارة الآخرة، أي صار بذلك القتل ممّن خسر الآخرة، ويجوز إبقاء «أصبح» على ظاهرها، أي غدا خاسرًا في الدّنيا، والمراد بالخسارة ما يبدو على الجاني من الاضطراب وسوء الحالة وخيبة الرجاءَ، فتفيد أنّ القتل وقع في الصّباح. اهـ.

.قال الشوكاني:

أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر، عن ابن عباس قال: «نهى أن تنكح المرأة أخاها توأمها، وأن ينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة، فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة، وولد له أخرى قبيحة دميمة، فقال أخو الدميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي، فقال: لا، أنا أحق بأختي، فقرّبا قربانًا، فجاء صاحب الغنم بكبش أعين أقرن أبيض، وصاحب الحرث بصبرة من طعام فتقبل من صاحب الكبش، ولم يتقبل من صاحب الزرع».
قال ابن كثير في تفسيره: إسناده جيد، وكذا قال السيوطي في الدر المنثور.
وأخرج ابن جرير عنه قال: كان من شأن بني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه، وإنما كان القربان يقرّبه الرجل، فبينما ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قربنا ثم ذكرا ما قرباه.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ} قال: كتب عليهم إذا أراد الرجل أن يقتل رجلًا تركه ولا يمتنع منه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ} يقول: إني أريد أن تكون عليك خطيئتك، ودمي، فتبوء بهما جميعًا.
وأخرج ابن جرير عنه {بِإِثْمِى}: قال بقتلك إياي، {وَإِثْمِكَ}، قال: بما كان منك قبل ذلك.
وأخرج عن قتادة والضحاك مثله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} قال: شجعته على قتل أخيه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: زينت له نفسه.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال، فأتاه يومًا من الأيام وهو يرعى غنمًا له وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء، ولا يعلم كيف يدفن، فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له ثم حثا عليه، فلما رآه {قَالَ يا ويلتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب}.
وقد ثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها لأنه أوّل من سنّ القتل» وقد روي في صفة قتله لأخيه روايات الله أعلم بصحتها. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}.
قَالَ مُجَاهِدٌ: شَجَّعَتْهُ نَفْسُهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ.
وَقِيلَ: سَاعَدَتْهُ نَفْسُهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ.
وَالْمَعْنَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَهُ طَوْعًا مِنْ نَفْسِهِ غَيْرَ مُتَكَرِّهٍ لَهُ، وَيُقَالُ إنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: طَاعَ لِهَذِهِ الظَّبْيَةِ أُصُولُ الشَّجَرِ، وَطَاعَ لِفُلَانٍ كَذَا، أَيْ أَتَاهُ طَوْعًا.
وَيُقَالُ: انْطَاعَ بِمَعْنَى انْقَادَ؛ وَيُقَالُ: طَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ، وَلَا يُقَالُ أَطَاعَتْهُ نَفْسُهُ، عَلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: «أَطَاعَ» يَقْتَضِي قَصْدًا مِنْهُ لِمُوَافَقَةِ مَعْنَى الْأَمْرِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي نَفْسِهِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّوْعُ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَمْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آمِرًا لِنَفْسِهِ وَلَا نَاهِيًا لَهَا؛ إذْ كَانَ مَوْضُوعُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَى لِمَنْ دُونَهُ؛ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْ يُوصَفَ بِفِعْلٍ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ: «حَرَّكَ نَفْسَهُ» و«قَتَلَ نَفْسَهُ» كَمَا يُقَالُ: «حَرَّكَ غَيْرَهُ» و«قَتَلَ غَيْرَهُ».
قَوْله تَعَالَى: {فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ} يَعْنِي خَسِرَ نَفْسَهُ بِإِهْلَاكِهِ إيَّاهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ} عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ كَانَ لَيْلًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ وَقْتٌ مُبْهَمٌ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَيْلًا وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَهَارًا، وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: أَصْبَحَتْ عَاذِلَتِي مُعْتَلَّهْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ؛ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ: بَكَرَتْ عَلَيَّ عَوَاذِلِي يَلْحَيْنَنِي وَيَصْرِمُنَّهْ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَوَّلَ النَّهَارِ دُونَ آخِرِهِ.
وَهَذَا عَادَةُ الْعَرَبِ فِي إطْلَاقِ مِثْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُبْهَمُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)}.
لا تستولي هواجس النفوس على صاحبها إلا بعد استتار مواعظ الحق، فإذا توالت العزائمُ الرديئةُ، واستحكمت القصودُ الفاسدةُ من العبد صارت دواعي الحق خفيةً مغمورةً. والنَّفْسُ لا تدعو إلا إلى اتباع الشهوات ومتابعة المعصية، وهي مجبولةٌ على الأخلاق المجوسية. فمن تابع الشهوات لا يلبث أن ينزل بساحات الندم ثم لا ينفعه ذلك. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)}.
ولا يقال: طوعت الشيء إلا إذا كان الشيء متأبيا على الفعل، فلا تقل: أنا طوّعت الماء، وإنما تقول: طوّعت الحديد، وقوله: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} فهل نفسه هي التي ستقتل وهي نفسه التي طوَّعَت؟
ولننتبه هنا أن الإنسان فيه ملَكتان اثنتان؛ ملكة فطرية تُحبّ الحق وتُحبّ الهير، وَملَكَة أهوائية خاضعة للهوى، فالملكتان تتصارعان.
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} كأن النفس الشريرة الأهوائية تغلبت على الخيّرة، فكأن هناك تجاذبا وتصارعًا وتدافعًا؛ لأن الإنسان لا يحب الظلم إن وقع عليه. لكن ساعة يتصور أنه هو الذي يظلم غيره فقد يقبل على ذلك.
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} إنه لا يزال فيه بقيّة من آثار النُّبوة؛ لأنه قريب من آدم، ولاتزال المسألة تتأرجح معه، والشر من الأخيار ينحدر، والشر في الأشرار يصعد. فقد تأتي لرجل طيب وتثير أعصابه فيقول: إن رأيته لأضربنه رصاصة أو أصفعه صفعتين، أو أوبِّخه، والشرِّير يقول: والله إن قابلته أبصق في وجهه، أو أضربه صفعتين، أو أضربه رصاصة. إذن فالشر عند الشرِّير يتصاعد، ويجد العملية لا تكفي للغضب عنده فيصعدها. إنما نفس الخير تُنفِّس عن غضبها وبعد ذلك ينزل عنها بكلمة، ولذلك نلاحظ في سورة سيدنا «يوسف»: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8].
والعجيب أنهم جاءوا بالتعليل الذي ضدّهم؛ كي يعرفك أن الهوى والغضب والحسد والحقد تقلب الموازين، {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} هذه تدل على أنهم أقوياء. وهي التي جعلت أباه يعقوب يعطف على الضمير. أنتم تقولون: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا} نعم؛ لأنه صغير، وسألوا العربي: مالك تُحب الولد الصغير، قال: لأن أيامه أقصر الأيام معي، البكر مكث معي طويلًا، فأنا أعوض للصغير الأيام التي فاتته ببعض الحب وأعطيه بعض الحنان، قولهم: {نَحْنُ عُصْبَةٌ} هذه ضدهم، مما يدل على أن الرجل ساعة تختلط عليه موازين القيم، يأتي بالحُجّة التي ضده ويظن أنها معه! وبعد ذلك يقولون: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [يوسف: 8].
واتفقوا. فبدأوا بقولهم: {اقتلوا يُوسُفَ} [يوسف: 9].
وقالوا: {أَوِ اطرحوه أَرْضًا} [يوسف: 9].
ولأنهم أسباط وأولاد يعقوب تنازلوا عن القتل والطرح في الأرض وقال قائل منهم: {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} [يوسف: 10].
وهل يرتب أحد النجاة لمن يكرهه؟
كأن النفس ما زال فيها خير، فأولا قالوا: {اقتلوا يُوسُفَ} هذه شدة الغضب. أو {اطرحوه أَرْضًا} يطرحونه أرضًا فقد يأكله حيوان مفترس، فقال واحد: نلقيه في غيابة الجب ويلتقطه بعض السيارة، إذن فالأخيار تتنازل.
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين}. ونعرف الخسران قضية التجارة؛ أن هناك مكسبًا وهناك خسارة، و«مكسب» أي جاء رأس المال بزيادة عليه، و«الخسارة» أي أن رأس المال قد قلَّ، فلماذا قتل أخاه وكان أخوه الوحيد وكان يأنس به في الدنيا؟ إن هذا حدث من حكاية البنت. فقد أراد أن يأخذ أخته الحلوة ويترك الأخرى، ولما قدّما القربان ولم يقبل منه تصاعد الخلاف وقتل أخاه، إذن فَفَقد رأس المال، بينما كان يريد أن يكسب {فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} قال: زيَّنت له نفسه.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} ليقتله، فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال، فأتاه يومًا من الأيام وهو يرعى غنمًا له وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء ولا يدري كيف يدفن، فبعث الله غرابين أخوين، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له ثم حثا عليه التراب، فلما رآه قال: يا ويلتا، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: ابن آدم الذي قتل أخاه لم يدر كيف يقتله، فتمثل له إبليس في صورة طير، فأخذ طيرًا فوضع رأسه بين حجرين، فشدخ رأسه فعلمه القتل. وأخرج عن مجاهد نحوه.